الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
الذي يقال له عند القبط: دريموش ظهر معدن فضة على ثلاثة أيام من النيل فأثاروا منه شيئًا عظيمًا وعمل صنمًا على اسم القمر لأن طالعه كان برج السرطان ونصبه على القصر الرخام الذي بناه أبوه في شرقيّ النيل ونصب حوله أصنامًا كلها من الفضة وألبسها الحرير الأحمر وعمل للصنم عيدًا كلما دخل برج السرطان. ولما ولى اكسايس الملك بعد أبيه معدان بن معاديوس بن دارم بن دريموس وهو الفرعون السادس أقام أعلامًا كثيرة حول منف وجعل عليها أساطين يمشي من بعضها إلى بعض وعمل برقودة وصا ومدائن الصعيد وأسفل الأرض أعلامًا ومنائر للوقود وطلسمات كثيرة وعمل كودة من فضة ونقش عليها صورة الكواكب ودهنها بالدهن الصينيّ وأقامها على منار في وسط منف وعمل في هيكل أبيه روحاني زحل من ذهب أسود مدبر وعمل في وقته ميزانًا يعتبر به الناس كفتاه من ذهب وعلاقته من فضة وسلاسله من ذهب فكان معلقًا في هيكل الشمس وكتب على إحدى كفتيه: حق والأخرى: باطل وتحته فصوص قد نقش عليها أسماء الكواكب فيدخل الظالم والمظلوم يأخذ كل منهما فصًا من تلك الفصوص ويُسمى عليه ما يريده ويجعل أحد الفصين في كفة والآخر في كفة فتثقل كفة الظالم وترتفع كفة المظلوم ومن أراد سفرًا أخذ فصين وذكر على أحدهما اسم السفر وعلى الآخر الإقامة وجعل كل واحد في كفة فإن ثقلا جميعًا ولم يرتفع أحدهما على الآخر لم يسافر وإن ارتفعا سافر وإن ارتفع أحدهما أخر السفر ثم سافر وكذا من عليه دين ومن له غائب أو ينظر في صلاح أمره وفساده. ويقال: إن بخت نصر لمَّا دخل إلى مصر حمل هذا الميزان معه فيما حمل إلى بابل وجعله في بيت من بيوت النار.وعمل في أيامه تنورًا أيضًا يشوي فيه من غير نار ويطبخ فيه بغير نار وسكينًا تنصب فإذا رآها شيء من البهائم أقبل حتى يذبح نفسه بها. وعمل ماء يستحيل نارًا وأما البرابي فذكر ابن وصف شاه: أن سوريد الذي بنى الأهرام هو الذي بنى البرابي كلها وعمل فيها الكنوز وزبر عليها علومًا ووكل بها روحانية تحفظها ممن يقصدها. وقال في كتاب الفهرست: وبمصر أبنية يقال لها: البرابي من الحجارة العظيمة الكبيرة وهي على أشكال مختلفة وفيها مواضع الصحن والسحق والحل والعقد والتقطير تدل على أنها عملت لصناعة الكيمياء وفي هذه الأبنية نقوش وكتابات لا يُدرى ما هي وقد أصيبت تحت الأرض فيها هذه العلوم مكتوبة في التوز وهي صفائح الذهب والنحاس وفي الحجارة. وذكر الحسن بن أحمد الهمداني أن برابي مصر تنسب إلى براب بن الدرمسيل بن نحويل بن خنوخ بن قار بن آدم عليه السلام. وذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني في كتاب الإشارات الباقية عن القرون الخالية: أن كنيسة في بعض قرى مصر قد شاهدها الموثوق بقولهم المأخوذ برأيهم المأمون من جهتهم الرواية عنهم فيها سرداب ينزل إليه بنيف وعشرين مرقاة وفيه سرير تحته رجل وصبيّ مشدودين في نطع وفوقه ثور رخام في جوفه باطية زجاج يدخلها قنينة من نحاس في جوفها فتيلة كتان توقد فيصب فيها زيت فلا يلبث إلا أن تمتلئ الباطية الزجاج زيتًا وتفيض إلى الثور الرخام فينفق على تلك الكنيسة وقناديلها. وذكر الجهانيّ: أنه صار إليه من وثق به ورفع الباطية عن الثور وأفرغ الزيت من الباطية والثور جميعًا وأطفأ النار وأعادها جميعًا إلا الزيت فإنه صبّ زيتًا من عنده وأبدله فتيلة أخرى وأشعلها فما لبث الزيت أن فاض إلى الباطية الزجاج ثم فاض إلى الثور الرخام من غير مدد ولا عنصر. وذكر الجهانيّ: أنه إذا أخرج الميت من تحت السرير انطفأت النار ولم يفض الزيت. وذكر عن أهل القرية: أن المرأة المتوهمة في نفسها حملًا تحمل ذلك الصبيّ وتضعه في حجرها فيتحرّك ولدها في البطن إن كان الحمل حقيقة أو تيأس إن لم تحس بحركة. قال المؤلف رحمه اللّه: أخبرني داود بن رزق الله بن عبد الله وكانت له سياحات كثيرة بأراضي مصر ومعرفة أحوالها أنه عبر في مغارة كبيرة يقال لها: مغارة شقلقيل بالوجه القبلي فإذا فيها كوم عظيم من سندروس وأنه تخطاه ومضى فإذا شيء كثير إلى الغاية من السمك وجميعها ملفوفة بثياب كأنها قد كفنت بعد الموت وأنه أخذ منها سمكة وفتشها فإذا في فمها دينار عليه كتابة لا يحسن قراءتها. وأنه صار يأخذها سمكة سمكة ويخرج من فم كل واحدة دينارًا حتى اجتمع له من ذلك عدة دنانير. وأنه أخذ تلك الدنانير ورجع ليخرج حتى جاء إلى الكوم السندروس وإذا به ارتفع حتى سدّ عليه الموضع فعاد إلى السمك وأعاد الدنانير إلى مواضعها وخرج فإذا السندروس كما كان أوّلًا بحيث يتجاوزه ويخرج. فعاد وأخذ الدنانير ومشى يخرج بها فإذا السندروس قد ارتفع حتى سدّ عليه الموضع. فعاد إلى السمك وأعاد الدنانير إلى موضعها وخرج فإذا السندروس على حاله كما كان أوّلًا بحيث يتجاوزه ويخرج. وأنه كرّر أخذ الدنانير وإعادتها مرارًا. والحال على ما ذكر حتى خشي الهلاك فتركها وخرج. فلما كان مدة سكن موضعها فرأى حجلًا في جدار وقد قوّر ووضع حجر آخر فحاول الحجر الآخر حتى رفعه فإذا تحته ستة دنانير من تلك الدنانير التي وجدها في أفواه السمك فأخذ منها واحدًا وترك البقية في موضعها وأعاد الحجر على الحجر وقدّر اللّه بعد ذلك أنه ركب النيل ليعدّي من البرّ الشرقيّ إلى البرّ الغربيّ. قال: فلما توسط البحر وإذا بالأسماك تثب من الماء وتلقي أنفسها في المركب حتى كدنا نغرق من كثرتها فصاح الركاب خوفًا من الهلاك قال: فتذكرت الدينار الذي معي وأنّ هذا ربما كان بسببه فأخرجته من جيبي وألقيته في الماء فتواثبت الأسماك من المركب وألقت نفسها في الماء حتى لم يبق منها شيء. قلت: وأخبرني قديمًا بعض من لا أتهمه أنه ظفر بطلسم من هذا المعنى وأنه عنده وأراد أن يريني السمك يثب من الماء فلم يقدر لي أن أرى ذلك. قال ابن عبد الحكم: لما أغرق الله آل فرعون بقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد. ولم يبق بها إلا العبيد والأجراء والنساء. فاتفق من بمصر من النساء أن يولين منهم أحدًا وأجمع رأيهنّ أن يُوليَنّ امرأة منهنّ يقال لها: دلوكة بنت زبا وكان لها عقل ومعرفة وتجارب وكانت في شرف منهنّ وموضع وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة. فملكوها فخافت أن يتناولها الملوك فجمعت نساء الأشراف وقالت لهنّ: إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ولا يمدّ عينه إليها وقد هلك أكابرنا وأشرافنا وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم وقد رأيت أن أبني حصنًا أحدق به جميع بلادنا فأضع عليه المحارس من كل ناحية فإنا لا نأمن من أن يطمع فينا الناس فبنت جدارًا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها المزارع والمدائن والقرى وجعلت دونه خليجًا يجري فيه الماء وأقامت القناطر والترع وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل وجعلت في كل محرس رجالًا وأجرت عليهم الأرزاق وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم آت يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض الأجراس فأتاهم الخبر من أي وجه كان في ساعة واحدة فنظروا في ذلك فمنعت بذلك مصر من أرادها وفرغت من بنائه في ستة أشهر وهو الجدار الذي يقال له: جدار العجوز بمصر وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كثيرة. قال المسعودي وقيل: إنما ينته خوفًا على ولدها وكان كثير القنص فخافت عليه سباع البرّ والبحر واغتيال من جاور أرضهم من الملوك والبوادي فحوّطت الحائط من التماسيح وغيرها. وقد قيل غير ما وصفنا. فملكتهم ثلاثين سنة في قول. قال المؤلف رحمه اللّه: قد بقي من حائط العجوز هذا في بلاد الصعيد بقايا. أخبرني الشيخ المعمر محمد بن المسعودي: أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهم منها لبنة فإذا هي كبيرة جدًا تخالف المعهود الآن من اللبن في المقدار فتناولها القوم واحدًا بعد واحد يتأملونها وبينما هم في رؤيتها إذ سقطت إلى الأرض فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر الذي يتعجب منه لعدم مثله في زماننا فقشروا ما عليها فوجدوها سالمة من السوس والعيب كأنها قريبة عهد بحصادها لم يتغير فيها شيء ألبتة فأكلها الجماعة قطعةً قطعةً. وكأنها إنما خُبئت لهم من الزمن القديم والأعصر الخالية. إنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها. قال ابن عبد الحكم: وكان ثم عجوز ساحرة يقال لها: بدور وكانت السحرة تعظمها وتقدّمها في علمهم وسحرهم فبعثت إليها دلوكة ابنة زبا: إنا قد احتجنا إلى سحرك وفزعنا إليك ولا نأمن أن يطمع فينا الملوك فاعملي لنا شيئًا نغلب به من حولنا. فقد كان فرعون يحتاج إليك فكيف وفد ذهب أكابرنا يعني في الغرق مع فرعون موسى وبقي أقلنا فعملت بربا من حجارة في وسط مدينة منف وجعلت لها أربعة أبواب كل باب منها إلى جهة القبلة والبحر والغرب والشرق وصوّرت فيه صور الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال وقالت لهم: قد عملت لكم عملًا يهلك به كل من أرادكم من كل جهة تؤتون منها برًا أو بحرًا وهذا يغنيكم عن الحصن ويقطع عنكم مؤنة من أتاكم من كل جهة فإنهم إن كانوا في البرّ على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجالة تحركت هذه الصور من جهتهم التي يأتون منها فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما تفعلون بهم. فلما بلغ الملوك حولهم أنّ أمرهم قد صار إلى ولاية النساء طمعوا فيهم وتوجهوا إليهم فلما دنوا من عمل مصر تحرّكت تلك الصور التي في البربا فطفقوا لا يهيجون تلك الصور بشيء ولا يفعلون بها شيئًا إلا أصاب ذلك الجيش الذي كان أقبل إليهم مثله إن كان خيلًا. فما فعلوا بتلك الخيل المصوّرة في البربا من قطع رؤوسها أو سوقها أو فقء عيونها أو بقر بطونها أثر مثل ذلك بالخيل التي أرادتهم وإن كانت سفنًا أو رجالة فمثل ذلك وكانوا أعلم الناس بالسحر وأقواهم عليه وانتشر ذلك فتبادرهم الناس وكان نساء أهل مصر حين غرق فرعون وقومه ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبرن عن الرجال. فطفقت المرأة تعتق عبدها وتتزوّجه وتتزوّج الأخرى أجيرها وشرطن على الرجال أن لا يفعلوا شيئًا إلا بإذنهنّ فأجابوهنّ في ذلك فكان أمر النساء على الرجال. قال يزيد بن حبيب: إنّ نساء القبط على ذلك إلى اليوم اتباعًا لمن مضى منهم. لا يبيع أحد منهم ولا يشتري إلا قال: استأمر امرأتي فملكتهم دلوكة بنت زبا عشرين سنة. تدبر أمرهم بمصر حتى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم وأشرافهم يقال له: دركون بن بلوطس فملكوه عليهم فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوًا من أربعمائة سنة. وكلما انهدم من ذلك البربا الذي صوّر فيه الصور لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز وولدها وولد ولدها وكانوا أهل بيت لا يعرف ذلك غيرهم فانقطع أهل ذلك البيت وانهدم من البربا موضع في زمان لقاس بن مرنيوس. فلم يقدر أحد على إصلاحه ومعرفة علمه وبقي على حاله وانقطع ما كان يقهرون به الناس. وبقوا كغيرهم إلا أنّ الجمع كثير والمال عندهم. فلما قدم بخت نصر بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل وسباهم وخرج بهم إلى أرض بابل قصد مصر وخرب مدائنها وقراها وسبى جميع أهلها ولم يترك بها شيئًا حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابًا ليس فيها ساكن يجري نيلها ويذهب لا ينتفع به ثم ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة فعمروها ولم تزل مقهورة من يومئذ. وقال بعض الحكماء: رأيت البرابي وأخذت أتأملها فوجدتها مستحكمة على جميع أشكال الفلك والذي ظهر لي أنه لم يعملها حكيم واحد بل تولى عملها قوم بعد قوم حتى تكاملت في دور كامل. وهو ستة وثلاثون ألف سنة شمسية لأنّ مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بالأرصاد ولا يتكامل رصد المجموع في أقل من هذه المدّة المذكورة وكانوا يجعلون الكتاب حفرًا ونقرًا في الصخور ونقشًا في الحجارة وحلقة مركبة في البنيان وربما كان الكتاب هو الحفر إذا كان متضمنًا لأمر جسيم أو عهدًا لأمر عظيم أو موعظة يرتجى نفعها أو إحياء شرف يريدون تخليد ذكره. وقد كتب غير المصريين كذلك كما كتبوا على قبة غمدان وعلى باب القيروان وعلى باب سمرقند وعلى عمود مأرب وعلى ركن المستقرّ وعلى الأبلق المفرد وعلى باب الرها وكانوا يعمدون إلى الأماكن الشريفة والمواضع المذكورة فيضعون الخط في أبعد المواضع من الدثور وأمنعها من الدروس وأجمر أن يراها من مرّ بها ولا ينسى على طول الدهر. وقال المسعوديّ: واتخذت دلوكة بمصر البرابي والصور وأحكمت آلات السحر وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم إبلًا كانت أو خيلًا وصورت فيها من يرد من البحر في المراكب من بحر الغرب والشام وجمعت في هذه البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة وخواص الأحجار والنباتات والحيوانات وجعلت ذلك في أوقات فلكية واتصالها بالمؤثرات العلوية وكانوا إذا ورد إليهم جيش من نحو الحجاز واليمن عوّرت تلك الصور التي في البريا من الإبل وغيرها فيتعوّر ما في ذلك الجيش وينقطع عنهم ناسه وحيوانه وإذا كان الجيش من نحو الشام فعل في تلك الصور التي من تلك الجهة التي أقبل منها جيش الشام ما فعل بما وصفنا. فيحدث في ذلك الجيش من الآفات في ناسه وحيوانه ما صنع في تلك الصور التي من تلك الجهة وكذلك من ورد من جيوش الغرب ومن ورد في البحر من رومية والشام وغير ذلك من الممالك.فهابهم الملوك والأمم ومنعوا ناحيتهم من عدوّهم واتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز وإتقانها لزمّ أقطار المملكة وأحكامها السياسية. وقد تكلم من سلف وخلف في هذه الخواص وأسرار الطبيعة التي كانت ببلاد مصر وهذا الخبر من فعل العجوز مستفيض لا يشكون فيه والبرابي بمصر من صعيدها وغيره باقية إلى هذا الوقت وفيها أنواع الصور مما إذا صوّرت في بعض الأشياء أحدثت أفعالًا على حسب ما رسمت له وصنعت من أجله على حسب قولهم في الطبائع واللّه أعلم بكيفية ذلك. قال: وأخبرني غير واحد من بلاد اخميم من صعيد مصر عن أبي الفيض في النون بن إبراهيم المصريّ الإخميميّ الزاهد: وكان حكيمًا وكانت له طريقة يأتيها ونحلة يقصدها وكان ممن يقرّ على أخبار هذه البرابي وامتحن كثيرًا مما صوّر فيها ورسم عليها من الكتابة والصور قال: رأيت في بعض البرابي كتابًا تدبرته فإذا هو: أحذر العبيد المعتقين والأحداث والجند المتعبدين والنبط المستعربين ورأيت في بعضها كتابًا تدبرته فإذا فيه: يقدّر المقدّر والقضاء يضحك. وفي تدبر بالنجوم ولست تدري ورب النجم يفعل ما يريد قال: وكانت هذه الأمة التي اتخذت هذه البرابي لهجة بالنظر في أحكام النجوم من المواظبين على معرفة أسرار الطبيعة وكان عندها مما دلت عليه أحكام النجوم: أنّ طوفانًا سيكون في الأرض ولم يقطع على ذلك الطوفان ما هو أنارُ تأتي على الأرض فتحرق ما عليها. أو ماء يغرقها أو سيف يبيد أهلها فخافت دثور العلوم وفناءها بفناء أهلها فاتخذت هذه البرابي ورسمت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة وجعلت بنيانها نوعين طينًا وحجارة وفرزت ما بني بالطين مما بني بالحجارة وقالت: إن كان هذا الطوفان نارًا استحجر ما بني بالطين وإن كان الطوفان الوارد ماءً أذهب ما بنينا بالطين ويبقى ما بني بالحجارة وإن كان الطوفان سيفًا بقي كل من النوعين مما هو من الطين وما هو من الحجر. وهذا ما قيل واللّه أعلم. إنه كان قبل الطوفان وإنّ الطوفان الذي كانوا يرقبونه ولم يعينوه أنار هو أم ماء أم سيف. كان سيفًا أتى على جميع أهل مصر من أمّة غشيتها وملك نزل عليها فأباد أهلها. ومنهم من رأى أن ذلك الطوفان كان وباءَ عمّ أهلها. ومصداق ذلك ما يوجد ببلاد تنيس من التلال المتقذرة من الناس من صغير وكبير وذكر وأنثى كالجبال العظام وهي المعروفة ببلاد تنيس من أرض مصر بذات الكوم وما يوجد ببلاد مصر وصعيدها من الناس المنكسين بعضهم على بعض في الكهوف والغيران والنواويس ومواضع كثيرة من الأرض لا يُدرى من أي الأمم هم فلا النصارى تخبر عنهم أنهم من أسلافهم ولا اليهود تقول إنهم من أوائلهم ولا المسلمون يدرون من هؤلاء ولا تاريخ ينبئ عن حالهم وعليهم أثوابهم وكثيرًا ما يوجد في تلدُ البرابي والجبال من حليتهم. والبرابي ببلاد مصر بنيان قاتم عجيب كالبربا التي بأخميم والتي بسمنود وغير ذلك.
|